دور كاتب المحكمة في ضمان سير العدالة المقدمة : لا تقع على القاضي وحده مسؤولية تحقيق العدالة، ولا يمكنه بمفرده القيام بجميع ما يتطلبه سير الدعوى من إجراءات ، لذلك كان من اللازم إيجاد مؤسسة تساعده في تسييرها، وهي مؤسسة كتابة المحكمة . ويشارك هؤلاء في حسن سير القضاء وذلك إما بمشاركة القاضي في جميع أعمال القضاء وتنفيذه ، أما مساعدي القضاء فتعددهم وتنوّع وظائفهم قد يخشى منهم أن يكونوا حاجزا بين القاضي والمتقاضين ، لأن الأصل أن تكون هناك عدالة دون وساطة إلا أن الحرص على تصريف العدالة وحسن تسيير القضاء يحتمان عدم الاستغناء عن كتابة المحكمة لان المشرع ابطل كل عمل قضائي في غياب الكاتب . ويعتبر جميع مساعدي القضاء من أصحاب المهن الحرة ( كالمحامين، العدول ، الخبراء ...إلخ) مساهمون في انارة السبيل امام القاضي من الناحية الفنية ، باستثناء كاتب المحكمة الذي ينتمي إلى الوظيفة العمومية، والذي يظهر دوره متميزا عنهم في الاضطلاع بمهمة المشاركة الحقيقية للقاضي في حسن تسيير وإدارة شؤون مرفق القضاء والمساهمة الفعلية والشريك الوحيد في تحقيق العدالة ، وهو الوحيد الذي يضفي عليها الشرعية دون غيره من المساعدين. ومهما تعددت التعاريف والمفاهيم لكاتب المحكمة كما قيل "قلم المحكمة" أو "مقيد الدعاوى" أو "خزان السجلات" فكلها لا تكفي لبيان مفهوم كاتب المحكمة في الواقع لانها تعاريف وظيفية ارتكزت على مختلف الوظائف التي يقوم بها كاتب المحكمة من تدوين للإجراءات وحفظ لملفات القضايا فقط ، وقد اخفت دوره الفعلي والحقيقي القضائي والاجرائي واكتفت بمسك الدفاتر وترسيم البيانات. وقد جاء مصطلح كاتب المحكمة تعريبا للكلمة الفرنسية(greffier) وهو مصطلح لا يستوفي مفهوم العبارة الفرنسية التي عرفها قاموس "Larousse" بالمأمور العدلي المكلف بالسهر على الإجراءات القانونية في سائر القضايا وعلى حفظ وتسليم نسخ الأحكام ، بينما تدل عبارة كاتب حسب المفهوم الإداري المتداول على "السكرتير" أي الموظف العادي المكلف بالكتابة تحت إملاء رئيسه وبتعليمات منه. ورغم أن العموم يعتقدون أنه ليس سوى كاتبا للقاضي، وأن مهمته لا تتعدى تحرير ما يملي عليه هذا الأخير وتسليم نسخ الوثائق التي لها علاقة بالعمل القضائي إلا أن كاتب المحكمة في الواقع يستمد أساسه من طبيعة تدخله في العمل القضائي، وخصوصية الأعمال والمهام المسندة إليه، وهو ما يجعله يخضع في الوقت نفسه إلى نظام الوظيفة العمومية إضافة إلى قانون خاص يحدد مشمولاته وينظم طرق تسميته وكيفية انتدابه. وتدخل مؤسسة كتابة المحكمة في سير الإجراءات وتكريس الضمانات التي أقرها المشرع للمتقاضين، ذلك أنه بقطع النظر عن دور القضاء الذي هو الأصل والجوهر فإن دور كاتب المحكمة لا يقل عنه أهمية فهو شريك لا بدّ منه لتصريف العدالة. فمجلس القضاء لا يستكمل إلا بحضور الكتاب ليثبت بخط يده ما جرى بين الخصوم وما توجب لهم أو عليهم من الحقوق ضمن وثيقة وحجة رسمية اسمها محضر الجلسة. ويتضح من مختلف النصوص أنه لا يقتصر دور كاتب المحكمة على نوع معين من القضايا ، بل إن تدخله إلى جانب القاضي يشمل كل أنواع النزاعات ، وحضوره ضروري في كل درجات التقاضي. فدوره الإجرائي يبرز منذ رفع الدعوى وتلقيها إلى حين تنفيذ الحكم الصادر فيها. ولا يخفى ما لهذا الدور الإجرائي من خطورة على سرعة البت في القضايا وإيصال الحقوق لأصحابها إذ أن الغفلة عن إجراء قانوني من طرف الكاتب يؤدي بالضرورة إلى بطلان ذلك الإجراء أو المطالبة ببطلانه وبالتالي تأخير البت في القضية وما يتسبب فيه ذلك من إثقال لكاهل المتقاضين بأتعاب جديدة ومصاريف إضافية وتعديا على حرياتهم وحقوقهم. ونظرا لخطورة الميدان الجزائي وتعلقه بمصائر الناس وحرياتهم فإننا سنركز على دور كاتب المحكمة في ضمان سير العدالة من خلال مهامه القضائية 1 ومهامه الإجرائية 2. 1- المهام القضائية لكاتب المحكمة لم تغفل التشريعات الجزائية عن الاهتمام بنظام المحاكمة والجلسات وضبط الإجراءات التي تحكمها انطلاقا من خطورة الآثار المترتبة عليها، فسعت في إطار ما تفرضه المبادئ العامة في هذا المجال إلى تنظيم المحاكمة بصورة تجعلها ضمانة هامة من أولى اهتماماتها الاحترام الفعلي والجدي لحقوق الدفاع.وهيأة المحكمة هي المحرك الأساسي لمرحلة المحاكمة والساهر الأول على احترام هذه الضمانة، لذا وجب أن تظهر هذه الهيأة متكاملة من حيث تركيبتها، حتى تتمكن من تحقيق الغاية التي ترمي إليها كل دعوى جزائية وهي الكشف عن الحقيقة وتحديد مصير المتهم. ـ كاتب المحكمة عنصر ضروري في تشكيل المحكمة إن اعتبار كاتب المحكمة عنصرا ضروريا في تشكيل المحكمة ينطلق من إدراك الدور الأساسي لمؤسسة كتابة المحكمة بالجلسة أو يعتبر المبرر لإسناده مهاما قضائية فإنه من جهة أخرى يستدعي الخوض في طبيعة هذه المهام والوقوف على أثرها في توفير الضمانات اللازمة للمتهم. فهو المساعد للقضاء وهو من خلال العمل التوثيقي الذي يستهدف خلق حجّة رسمية تثبت ما دار بالجلسة وبمكتب التحقيق من إجراءات وأعمال عاينها شخصيا بحكم طبيعة مهامه القضائية التي تفرض أن يكون عنصرا متمما لكل هيأة قضائية سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة وهذه أول ضمانة للمتهم. فأسس انتماء كاتب المحكمة إلى هيأة المحكمة القانونية تتميز بتعدد النصوص التي تفرض وجود كاتب ضمن كل هيأة قضائية وتعدد النصوص لا يعني عدم تغافل المشرّع أحيانا عند حديثه عن تركيبة بعض المحاكم عن ذكر كاتب المحكمة ضمن هذه التركيبة. فكاتب الجلسة يمثل ركنا أساسيا في تشكيل المحاكم وعنصرا فاعلا في تصريف شؤون العدالة الجزائية، فحضوره بالجلسة يظهر بكل وضوح من خلال التعرض إليه صراحة إلى جانب قضاة الحكم والنيابة العمومية، في كل مناسبة يخصّصها المشرّع للحديث عن تركيبة هيأة قضائية أو تأليف محكمة من المحاكم. فقد نص الفصل 205 م.إ.ج في فقرته الثالثة عند بيان تشكيل المحكمة الابتدائية على أنه "يمارس وظائف الادعاء العام وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه، ويقوم بوظيفة كاتب أحد كتبة المحكمة". وتكرر الحديث عن مؤسسة كتابة المحكمة في عديد المواضع الأخرى من نفس المجلة عند التعرض إلى تركيبة محكمة الاستئناف. وكذلك الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية المنتصبة بمقر محكمة الاستئناف وذلك بالفصل 221 جديد م.إ.ج كما وقع تنقيحه بمقتضى القانون عدد 43 لسنة 2000 المؤرخ في 17 أفريل 2000 والمتعلق بتنقيح وإتمام بعض الفصول من مجلة الإجراءات الجزائية لإرساء قاعدة التقاضي على درجتين في المادة الجنائية. وهو نفس الفصل الذي ينصّ على أن كل محكمة استئناف تشتمل على دائرة جنائية استئنافية على الأقل متألفة من رئيس من الرتبة الثالثة بخطة رئيس دائرة بمحكمة التعقيب ومن أربعة مستشارين وينص في آخره على أنه "يقوم بوظيفة كاتب أحد كتبة محكمة الاستئناف". ولم يغفل المشرّع عن ذكر كاتب المحكمة ضمن تركيبة محكمة التعقيب المنتصبة للقضاء في المادة الجزائية، وذلك بالفصل 228 م.إ.ج ولا يقتصر ذكر كاتب المحكمة كعنصر ضروري في تشكيل هيأة المحكمة على محاكم الحق العام فحسب، بل أن لهذه المؤسسة تواجد في كل هيأة قضائية تختص بالنظر في دعوى جزائية، فلا يغيب كاتب المحكمة في تركيبة المحاكم الاستثنائية كالمحكمة العليا مثلا التي تتكون عند اقتراف الخيانة العظمى من قبل أحد أعضاء الحكومة وقد ضبط القانون عدد 10 لسنة 1970 المؤرخ في 01 أفريل 1970 تركيبة هذه الهيأة القضائية، فنص على أنه "يقوم بوظائف كاتب لدى المحكمة العليا رئيس كتابة محكمة الاستئناف بتونس". وكذلك نص الفصل 10 م.م.ع.ع. في فقرته الخامسة عند التعرّض الى تركيبة المحكمة العسكرية على أنه "يقوم بوظائف كاتب الجلسة أحد ضباط صف هيأة ضباط صف القضاء العسكري". فلا غنى إذن عن وظيفة الكتابة التي يضطلع بها كاتب ينتمي إلى المحكمة التي تباشر النظر في الجرائم وتتعهد بزجرها وتسليط العقوبة على المتهم بارتكابها، فهذه الهيآت القضائية الزجرية غير التابعة للحق العام لا يستقيم عملها إلا بوجود مثل هذا العنصر الضروري في تركيبتها. وما تتعدد النصوص القانونية المنظمة لتركيبة هذه الهيآت إلا دليل على ذلك. أما الهيآت القضائية الزجرية الأخرى غير التابعة للحق العام مثلا مجلس المنافسة والذي كان يسمى لجنة المنافسة قبل القانون عدد 42 لسنة 1995 المؤرخ في 24 أفريل 1995 لتسيير أعمال المجلس أحدث قانون المنافسة والأسعار هيكلين قارين ألحقها باللجنة هما : الكاتب القار والمقررون. بالنسبة للكاتب القار فإن له مهام تشبه كثيرا أو تكاد تكون نفس المهام التي أوكلت إلى الكاتب بمحاكم الحق العام، فهو مكلف خاصة بتسجيل الدعاوى ومسك الملفات والوثائق وحفظها وإعداد محاضر الجلسات وتدوين مداولات وقرارات المجلس. و كذلك قانون عدد 21 لسنة 1970 المؤرخ في 30 أفريل 1970 المتعلق بإنشاء دائرة الزجر المالي وهي هيأة قضائية زجرية أوكل لها المشرّع ردع أخطاء التصرف التي ترتكب إزاء الدولة والمؤسسات العمومية المحلية والمشاريع العمومية. وقد جاء بها أنه "تتولى مصالح دائرة المحاسبات أعمال الكتابة لدى دائرة الزجر المالي ويقوم أحد أعوان الدائرة الأولى بكتابة الجلسات. وتأكيد المشرع على ضرورة وجود كاتب المحكمة ضمن هيأة المحكمة من "مبدأ شرعية جلسة المحاكمة"، ذلك أن التشريعات على اختلافها اهتمت اهتماما خاصا بنظام المحاكمة الجزائية وتنظيم قواعدها على نحو يوفق بين حق المجتمع في ردع الجاني وتسليط العقاب المناسب عليه وبين حق المتهم في محاكمة عادلة أمام محكمة مختصة مشكلة تشكيلا قانونيا. فالإجراءات الجوهرية للمحكمة العادلة ليست إلا نوعا من ضمانات الحرية الشخصية التي تنبثق عن قرينة البراءة، فهذه القواعد الإجرائية تكفل التعبير عن الحرية الشخصية للمتهم، وتمكن الجهاز القضائي من الإشراف على الإجراءات الجزائية باعتبار أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات. وهو ما يتأكد معه القول بأن حضور كاتب الجلسة ضمن هيأة المحكمة في طور المحاكمة أمر ضروري وجوهري لصحة تشكيلها وأن تخلفه عنها يترتب عنه بطلان ما دار في الجلسة من إجراءات. وكاتب المحكمة هو الممثل الشرعي لهيأة المحكمة، إذ في صورة إبعاد المتهم الذي يثير التشويش بالجلسة، ضمانا لمواصلة المرافعات، يحمّل المشرّع كاتب المحكمة التزاما يتمثل في إعلام المظنون فيه الذي وقع إقصاؤه من جلسة المحاكمة، بالحكم الذي صدر في شأنه و إحاطته علما بكل ما دار بالجلسة أثناء غيابه بسبب ما أحدثه من تشويش ، لأن المتهم الذي غادر جبرا قاعة الجلسة قد ترك وراءه شخصا آخر يدوّن ما دار فيها ثم يوافيه بذلك إثر الجلسة، وهي ضمانة أرادها المشرّع حماية لحقوق الدفاع ليتمكن المتهم من مباشرة حقه في الطعن في مرحلة لاحقة على أساس ما تلقاه من كاتب المحكمة. لكن رغم تعدد النصوص صلب مجلة الإجراءات الجزائية أو قوانين أخرى والتي تتعرض لكاتب المحكمة كعنصر ضروري تتكون منه هيأة المحكمة فقد أغفل المشرع التعرض إلى كتابة المحكمة صلب بعض الفصول التي تنظم تركيبة بعض المحاكم كدائرة الاتهام ، نظرا لخصوصية تقنيات التقاضي لدى هذه الدائرة من حيث متابعة أعمال قاضي التحقيق من خلال الملف الذي يرد عليها وبساطة الإجراءات التي تتبعها مقارنة مع الإجراءات المعمول بها لدى الدوائر القضائية الكلاسيكية واعتبارا لاجتماعها بطلب من الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف كلما كان الاجتماع لازما للبت في طلباته من دون حضور الخصوم وبحجرة الشورى في غياب لسان الدفاع وتبادل التقارير والمرافعات لذا تكون الاستعانة بالكاتب أمرا غير ضروري إذ حتّى وإن اقتضت الضرورة إنجاز بعض الأبحاث أو أي عمل استقرائي تكميلي فإنها تتمه بواسطة أحد مستشاريها أو قلم التحقيق. أن قرار الدائرة لا يجب أن يتضمن سواء الوقائع موضوع التتبع مع بيان وصفها القانوني وإلا عدّ باطلا وأما ما عداها من بيانات كالتي تهم هيأة المحكمة وتاريخ القرار والأطراف وإمضاء الحكّام فإن عدم ذكرها بالقرار لا يؤثر في شيء ولا يترتب عليه البطلان وهو ما لم يقصده المشرع من خلال سكوته إذ الحقيقة أنه ترك أمر سد هذا الفراغ في البيانات بالرجوع إلى القواعد العامة وبالتحديد تلك المتعلقة بكل حكم والتي نص عليها الفصل 168 م.إ.ج كما أن اعتبار دائرة الاتهام درجة ثانية للتحقيق يوجب حضور كاتب في الجلسات التي تعقدها قياسا على إلزامية حضور الكاتب مع قاضي التحقيق في جميع الأعمال التي يقوم بها وبطلانها في صورة تخلفه عن الحضور. أما الأساس الإجرائي فإن فكرة انتماء كاتب المحكمة لهيأة المحكمة والتأكيد على دوره في توفير ضمانات معينة للمتهم انطلاقا من مبدإ الشرعية الإجرائية وصحة تشكيل هيأة المحكمة، هو أساس لا يغني من مزيد تأصيل هذه الفكرة من خلال المبادئ الإجرائية العامة التي تحكم طور المحاكمة وأهمها مبدئي العلنية والشفوية. ومبدأ العلنية يعني أن تفتح أبواب قاعة الجلسة للجمهور فيحضر المحاكمة من يشاء. ويظهر هذا المبدأ في نظر الفقه كنوع من رقابة الشعب على أعمال السلطة القضائية ويدعم الثقة بالقضاء من خلال مراقبته لشرعية المحاكمة ونزاهة وتجرد القاضي. وأن تقديم أوجه الدفاع أمام الجمهور فيه ضمانة نفسية وشعور بوجود توازن بين الهيأة القضائية والمجتمع. وأن تبرز هيأة المحكمة في تشكيلة خاصة تحد على الأقل من خطورة هذه السرية، وتكفي في ذاتها للتلطيف بين سلطتي المتابعة والحكم، ذلك أنه بالرغم من تغيب الجمهور عن قاعة الجلسة تبقى هناك مؤسسة غير قضائية تساهم في إعطاء هيأة المحكمة المصداقية والتوازن وهي مؤسسة كتابة المحكمة. مبدأ شفوية المحاكمة يعتمد هذا المبدأ لتأصيل فكرة انتماء الكاتب لهيأة المحكمة واعتباره عنصرا هاما مشاركا في عملها، بدونه لا يمكن لأي هيأة قضائية أن تضطلع بمهمة الفصل في القضايا وإحاطة المتهمين بالضمانات التي قررها المشرّع. وتعتبر شفوية إجراءات المحاكمة مظهرا من مظاهر مبدأ المواجهة وهي ضمان أساسي من ضمانات حق المتهم في الدفاع عن نفسه إذ يؤدي إلى إدراك أعمق وفهم أسلم لحقيقة وقائع الدعوى وتقدير ظروفها وملابساتها، وتسمح بإزالة كل لبس أو غموض قد يتسرب لمحاضر البحث. فالقاضي يكون قناعته بصفة أصلية من التحقيقات التي يجريها بالجلسة ولا يكتفي بالأبحاث الأولية التي تصبح مكملة لاقتناعه. وتظهر مؤسسة كتابة المحكمة كعنصر ضروري لتشكيل الهيأة الحكمية تقوم بالسهر كمؤسسة ثالثة مستقلة على الحفاظ على ملف القضية بجميع وأدق محتوياته باعتبارها الرصيد الوحيد المعتمد لتحديد مصير المتهم، بل أن لكاتب المحكمة من خلال حضوره بجلسة المحاكمة، دور هام في خلق إحدى مكونات الملف ألا وهو محضر الجلسة. كاتب المحكمة الذي يمسك ملف القضية بين يديه أثناء مفاوضة المحكمة الجنائية يحافظ على مبدأ الشفوية ويساهم في احترامه بصفة فعلية. ورغم ان كاتب المحكمة لا يحضر المفاوضة ولا يمضي الحكم وهو ما يفسر رغبة المشرع في أن تكون المفاوضة سرية ضمانة للقاضي إذ لا تمكن من الولوج إلى وجدانه ومعرفة صاحب الرأي الذي وقع بموجبه ترجيح الإدانة وهي ضمانة أيضا لجهاز العدالة لأنها تستبطن هيبته وناموسه وتدعم ثقة الناس فيه لكونه جهاز أمين يحافظ على أسرار الناس ، كما يجب أن لا يبقى لها أثر كتابي بخلاف جلسة المحاكمة التي تستوجب وجود كاتب ضمن هيأة المحكمة لتدوين ما دار بها، فإنّ مبدأ سرية المفاوضة يقتضي أن لا يبقى لها أثر كتابي، وهو ما يجعل هيأة المحكمة في غنى عن كاتب أثناء المفاوضة فقط، إذ لا ضرورة لتوثيق هذا الإجراء لأنّه يجب أن لا يكون موثقا أصلا، وحتى وإن وقع تدوين البعض منها كتابة للاستعانة بها في تحرير لائحة الحكم فإنّه يجب أن تعدم من طرف من حرّرها لأنّها قد تتضمن في بعض الأحيان جزئيات وتفاصيل عن المفاوضة نفسها بما لا يتحقق معه عنصر السرية لو بقيت تلك الآثار الكتابية بملف القضية . عدم إمضاء كاتب المحكمة بمنطوق الحكم من ضمن الأعمال القضائية التي لا تدخل في مهام كاتب المحكمة والتي قد تقلص من انتمائه إلى هيأة المحكمة هو عدم إمضائه على منطوق الحكم خلافا لمرحلة التحقيق الذي اشترط فيها المشرّع أن تكون كل الأعمال والإجراءات مدونة وممضاة من قبل قاضي التحقيق وكاتبة وذلك إشهادا لهذا الأخير على صحة الإجراءات، فإنّ المشرّع في مرحلة المحاكمة لم يشترط إمضاء كاتب الجلسة على المنطوق الأصلي للحكم وهو ما نلمسه في أحكام الفصلين 165 و166 م.إ.ج إذ جاء بالفصل الأول أنه "... عندما تحصل الأغلبية تحرر لائحة في الحكم ومستنداته يمضيها الحكام الذين شاركوا في المفاوضة...". رغم أنه وجوب ذكر اسم كاتب المحكمة يعد من التنصيصات الوجوبية بالحكم. وذلك بالفصل 168 من م.إ.ج الذي جاء به أنه "يجب أن يذكر بكل حكم : أوّلا : المحكمة التي أصدرت الحكم وأسماء الحكام وممثل النيابة العمومية وكاتب المحكمة الذين حضروا بالجلسة وتاريخ الحكم". ويعتبر عدم إمضاء كاتب الجلسة على نسخة الحكم نتيجة طبيعية ومنطقية لعدم حضوره المفاوضة. وقد يمضي الكاتب بالنسخة التنفيذية أو المجردة التي تسلم لطالبيها دون القاضي والاكتفاء بالإشارة الى أنه تم امضاء الاصل من قبل القضاة الذين تفاوضوا وأصدروا ذلك الحكم ، وهنا تظهر العدالة في توزيع شرعية الامضاء بالأحكام التي تصدرها المحاكم التونسية بين القضاة وكتابة المحكمة وثبت المشاركة الفعلية في اصدار تلك الاحكام بين جناحي القضاء الحقيقيين . مشاركة القضاء ان العمل التوثيقي الذي يقوم به كاتب المحكمة يكرس إجراءا أساسيا من أولى ضمانات المحاكمة العادلة فاعتبارا لخطورة مادة التحقيق وما لها من تأثير على حقوق وحرية المتهم فإنّ المشرّع قد قيدها بعدة مبادئ وأحاط فيها المتهم بعديد الضمانات يكرسها مبدأ توثيق التحقيق ويخول من خلالها لكاتب التحقيق أن يكون شاهدا وشريكا واقعيا ونزيها مساهما في صحة الإجراءات في هذه المرحلة الحاسمة من مراحل الدعوى الجزائية وأهم ضمانات التحقيق أن تثبت جميع إجراءاته كتابة حتى تكون أساسا ثابتا يتسنى الاطلاع عليه وإثارة ما فيه من إجحاف وانتهاك للحقوق والحريات، وللإجراءات الأساسية التي تقرر غالبا حماية لهذه الحقوق. وحتى تكون أساسا سليما تستند إليه هيأة المحكمة في مرحلة لاحقة لتكوين قناعتها وتوجيهها الوجهة السليمة وإقرار العقوبة الملائمة لشخص المتهم. واشتراط وجود كاتب يلازم قاضي التحقيق في جميع أعماله وتحركاته تكمن في مشاركة هذا الأخير حتى تتم أعمال التحقيق في ظروف حسنة وحتى يحصر قاضي التحقيق ذهنه في إجراء الأبحاث ومتابعتها فلا يتشتت بين القيام بالإجراء وتدوينه، وبذلك يكون الكاتب شريكا في الكشف عن الحقيقة التي يمكن أن تجسد براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه. ويترتب عن خرق مبدأ تدوين التحقيق بواسطة كاتب بطلان جميع الإجراءات، بل أن أي إجراء يتخذه قاضي التحقيق دون أن يوثق صلب محضر ممضى من الكاتب، يعتبر في حكم المعدوم.و يضطلع كاتب التحقيق بدور هام في هذه المرحلة بتأمينه لإجراء آخر يعتبر من متعلقات حقوق الدفاع، ويتمثل في تمكين محامي المتهم من الاطلاع على إجراءات التحقيق قبل تاريخ كل استنطاق بيوم لتمكينه من إعداد دفاعه وتتبع سلامة سير الإجراءات التي اتخذت ضد منوبه. والكاتب يعتبر شاهدا على كل ما يقوم به قاضي التحقيق بل هو في هذه المرحلة لا يعتبر شاهدا عاديا، بل شاهدا ممتازا لأن صلته بالتحقيق وثيقة، فهو الشخص الوحيد الذي يلازم قاضي التحقيق في جميع أعماله وتحركاته ويواكب تطور التحقيق في جميع مراحله، ويسهر على تدوينه صلب محاضر يذيلها بإمضائه مع حفظ كل ما يجب حفظه او حجزه أو تسليمه لاصحابه. تدوين المرافعات بالجلسة تتمحور المهمة التوثيقية لكاتب المحكمة في هذه المرحلة حول تدوين ما دار بالجلسة من مرافعات وما اتخذ من قررات صلب محضر يخضع لشروط وتنصيصات أوجبها المشرّع كي يكتسب القيمة القانونية التي تسمح باعتماده كحجة رسمية من حجج الدعوى الجزائية من شأنها التأثير في تحديد مصير المتهم. وينص الفصل 149 م.إ.ج على أنه "يحرر كاتب المحكمة أثناء الجلسة محضرا فيما يدور من المرافعات ينص به خاصة على تأليف المحكمة ومقرراتها ويعرض في ظرف أربع وعشرين ساعة على رئيس الجلسة وممثل النيابة العمومية للاطلاع عليه والإمضاء ثم يضاف إلى ملف القضية. المشرّع أوكل إلى كاتب المحكمة مهمة تدوين محضر في المداولات التي تمت أثناء الجلسة واشترط أن تتضمن هذه الوثيقة عدة تنصيصات وجوبية تتعلق بتأليف المحكمة وقراراتها. وتأليف المحكمة هنا يقصد به ذكر كامل عناصر هيأة المحكمة الحاضرة بالجلسة من أعضاء الدائرة المتعهدة بالقضية وممثل النيابة العمومية وكاتب الجلسة. ومن هنا كان الحضور الإلزامي لهذا الأخير دلالة أخرى تؤكد انتماءه القانوني والمنطقي لهيأة المحكمة من خلال أهمية العمل الموكول له داخل الجلسة، فكاتب المحكمة يمسك القلم ويدون كتابة المضمون الشفوي للمداولات والمناقشات ويحرر محضرا ذا قيمة جوهرية. ومن ثم يصح وصف كاتب المحكمة "بالشاهد الممتاز" أو "المأمور العدلي" وهذه الصفة التي تلازمه أيضا في مرحلة المحاكمة، وداخل قاعة الجلسة، بما أنه يشهد بالمحضر على سلامة سير الدعوى الجزائية التي أوتمر بها وأشرف شخصيا على تضمين إجراءاتها ، وهو الأساس الذي جعل بعض الدول تطلق عليه صفة "أمين الجلسة". تكوين الحجة الكتابية يعتمد محضر الجلسة كوثيقة رسمية يحررها الكاتب كحجة تشهد على مدى احترام الإجراءات، وهو بذلك يصلح لأن يكون أساسا لتحرير لائحة الحكم. لذا فإنّ واجب الالتزام بالدقة والامانة والوضوح في التدوين من طرف كاتب الجلسة من شأنه أن يوفر أساسا سليما لبناء حكم أو قرار لا تشوبه النواقص والاخلالات الإجرائية. وأن يدرك الجميع خطورة المهمة الموكولة إلى كاتب المحكمة وقيمة العمل التوثيقي الذي يضطلع به، وحرصه على تدوين دقيق لأقوال المتهم وتضمينها كما صرح بها هذا الأخير دون زيادة أو نقصان، لأن ما سيضمنه صلب محضره سيكون الدليل الوحيد على ما دار بالجلسة، وسيكون له الأثر السيئ على حقوق وحرية المتهم لو تسرب خطأ ولو عفويا للمحضر. وكاتب المحكمة من خلال عمله التوثيقي الذي ينصب أساسا على تدوين إجراءات التحقيق والمحاكمة يساهم بصفة فعلية وجدية في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة ، ذلك أنه لا يكفي أن يقع احترام القانون الذي شرّع لحماية هذه الضمانات في الواقع، بل أن الكاتب يثبت ذلك الاحترام للقانون إثباتا رسميا. وتعتبر طريقة التلخيص المعتمدة في تحرير المحاضر طريقة معمولا بها في كل من مرحلتي التحقيق والمحاكمة، وهي طريقة عملية تتمثل في تدوين ما يهم التحقيق أو المحاكمة من إجراءات أو مناقشات أو سماع شهود أو استنطاق المتهمين أو إجراء المكافحات لكن بطريقة مختصرة دون الدخول في تفاصيل قد لا تفيد البحث في الدعوى بشيء. ويتولى الكاتب إذن تحرير ملخص في كل هذا وعادة ما يتولى قاضي التحقيق أو رئيس الجلسة إملاء ذلك الملخص فيكتفي الكاتب بتدوين ما أملي عليه كما هو. إلا أنّ طريقة التلخيص المعتمدة في تحرير المحاضر وإن كانت أكثر عملية فإن لها من السلبيات ما قد يحيد بالمهمة التوثيقية لكاتب المحكمة عن الغاية التي شرعت من أجلها. فعدم تدوين تصريحات المتهم كاملة والاكتفاء صلب محضر الجلسة بذكر مسألتي الاعتراف والإنكار لا يمكّن من خلال الاطلاع على المحضر من معرفة هذه التصريحات بصفة ضافية والطريقة التي أداها بها صاحبها بصفة أصلية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أقوال الشهود، فتلخيصها لا يعني بترها أو الإنقاص منها، وإذا حاول الكاتب إجمالها فقد يأتي ذلك أحيانا بأسلوب مغاير لأسلوب المتهم أو الشاهد. إضافة إلى التضمين الخاطئ أو المتسرع في بعض الأحيان والذي يقع تداركه عمليا باستعمال كلمة "بل" هذا وإن كان يدل على شيء فهو لا يعني عدم قدرة الكاتب على تتبع إجراءات المحاكمة وانما هو القدرة الفائقة على مسايرة النسق الذي تسير به الجلسات مع تراكم عدد القضايا. وطريقة تلخيص مضمون المرافعات وإجمالها، رغم أنها طريقة عملية تساعد على التعامل مع كثرة القضايا المنشورة أمام المحاكم، إلا أنه يجب أن يراعى فيها خطورة المادة المتعلقة بها، فالأمر هنا يتعلق بالجريمة، وتضمين تصريحات منقوصة بتعلة الاختصار قد يؤثر سلبا على ضمانات المحاكمة العادلة التي يساهم في توفيرها كاتب المحكمة من خلال عمله التوثيقي، لذا يجب التوفيق بين مقتضيات العمل القضائي وما يفرضه الواقع العملي من وجوب سرعة البت في القضايا في الميدان الجزائي وما تتطلبه المهمة التوثيقية من عناية واهتمام وتمكين كاتب المحكمة من مواكبة الوتيرة التي تسير بها الجلسات، وتضمين المرافعات بطريقة ضافية وواضحة بشكل يمكن المطلع على المحضر من فهم ما يدور بالجلسة وهو ما لا يمكن أن يتحقق إزاء الطريقة الإملائية. الا أن هيمنة هذه الطريقة على علاقة القاضي بكاتب المحكمة في مهمته التوثيقية للمحاضر، سواء كان ذلك بمكاتب التحقيق أو بجلسات المحاكمة تبرز من خلال جريان العمل بالمحاكم على أن يتولى قاضي التحقيق أو القاضي رئيس الجلسة تلخيص مختلف الإجراءات والمرافعات ويملي ذلك على الكاتب الذي يكتفي بتضمينها صلب محاضره ، ومن هنا نتساءل عن مدى انسجام هذه الطريقة مع مقتضيات التشريع في مادة الإجراءات الجزائية وأثرها على حقوق المتهم وضماناته. فكاتب المحكمة له من المهام القضائية ما يجعله كاتبا متميزا من حيث المفهوم ومن حيث الاختصاص عن الكاتب العادي نظرا لخطورة الأعمال المنوطة بعهدته على حقوق وضمانات المتهمين خاصة والمتقاضين عامة. وهذه الخطورة نستشفها من خلال قراءة نصوص مجلة الإجراءات الجزائية التي تتعرض لمختلف هذه المهام ومن خلال النظام الأساسي الخاص بأعوان سلك كتابات المحاكم من الصنف العدلي ، فهؤلاء يسهرون على تطبيق الإجراءات القانونية في كل القضايا جزائية أو مدنية، وإيكال المهمة الإجرائية لا يمكن أن تكون إلا لشخص مؤهل قانونا لتحمل هذه المسؤولية، أي لشخص له من الدراية القانونية والخبرة في هذا المجال ما يجعله مسيرا لإدارة القضاء. المهام الإجرائية لكاتب المحكمة يضطلع كاتب المحكمة إضافة إلى مهامه القضائية بمهمة إجرائية تتمثل في جملة من الإجراءات المحمولة عليه حتما والتي يصعب أو يستحيل بدونها قيام الجهاز القضائي بالمرفق العام المناط بعهدته. وتتنوع الإجراءات الموكولة إلى كاتب المحكمة بتنوع القضايا في المادة الجزائية واختلاف مراحلها. مرحلة ما قبل الحكم تختلف القضايا الجزائية في هذه المرحلة وتتنوع حسب خطورتها، وتختلف تبعا لذلك، الإجراءات التي يسهر كاتب المحكمة على تطبيقها بطريقة توفق بين حسن سير الجهاز القضائي وتوفير الضمانات اللازمة للمتهم، من خلال مساعدته على ممارسة الحقوق المخولة له قانونا ولئن كانت هذه القضايا أقلّ خطورة فإن دور كاتب المحكمة فيها ليس أقلّ أهمّية، في تمكين المتّهم من ممارسة الحقوق المخولة له قانونا. فيتولى في نطاق مهمته الإجرائية استدعاء المتهمين للحضور بالجلسات (فقرة أولى) ويعمل على تجهيز القضايا لتسهيل سرعة البتّ فيها يعتبر حضور المتهم بجلسة المحاكمة من أهم مقتضيات حقوق الدّفاع إذ يمكنه من المثول أمام هيأة المحكمة لسماع التهم الموجهة إليه والتمكن من الدفاع عن نفسه. وسيتوجب حضور المتهم بالجلسة إعلامه بموعد انعقادها حتى يكون على بينة بما نسب إليه لإعداد دفاعه والاستعداد لسير المحاكمة. ويضطلع كاتب المحكمة بتوجيه الاستدعاءات للمتهمين، ويجب أن يحترم في ذلك الشكليات القانونية في تحريرها (أ) مراعيا آجال الحضور القانونية الممنوحة للمتهم تجهيز القضايا يفترض تشعب الإجراءات في الدعوى الجزائية وخطورتها التحضير المسبق للمحاكمة بإعداد ملفات القضايا قبل إدراجها بالجلسات أمام المحكمة المختصة وتتواصل مهمة كاتب المحكمة الإجرائية في هذا الطور، بعد أن عهد له بمسك ملفات التحقيق، إذ يتولى تجهيز القضايا وفق طريقة تكفل سرعة البت فيها(أ) سعيا إلى تجاوز المشاكل التي تعاني منها هذه العملية (ب). اقتضت مهمة مسك ملفات واجب حفظها على كاتب المحكمة في مرحلة متقدمة من مراحل الدعوى الجزائية باعتباره المؤتمن الوحيد على ما تحتويه ملفات القضايا. فيسعى في إطار مهمته هذه إلى التثبت من توفر كل الأوراق والوثائق المظروفة بالملف ويحصيها ويولى أهمية بالغة لوثيقة الاستدعاء التي أرجعت إليه من قبل العون المكلف بالتبليغ طبقا للفصل 140 م.إ.ج سابق الذكر، نظرا لما لهذه الوثيقة من أثر على الحكم الذي سيصدر في القضية. كذلك المحضر المحرر من طرف أعوان الضابطة العدلية ومحاضر البحث المحرّرة من قبل قاضي التحقيق ويتولى تسجيل الملفات بالدفتر المعد لذلك بعد ترتيبها حسب الجلسات. ويفترض في كاتب المحكمة عند القيام بمهمة تجهيز القضايا أن يكون على علم تام بكل ما يحتويه ملف القضية الشيء الذي يجعله حريصا عند تسليمه الملف لمن له الحق في الإطلاع على وثائقه ونسخها . و يضطلع رئيس كتابة المحكمة في إطار هذه المهمة بتعيين الجلسات في القضايا الجناحية في حين يتولى ذلك وكيل الجمهورية أو الوكيل العام فيما يخص قضايا الجنايات. ويجب على الكاتب في تعيينه للجلسات الجناحية أن يولي أهمية لقضايا الموقفين التي يجب أن تعين في أسرع وقت ممكن في حين لا يضر المتهمين الذين هم بحالة سراح أن تعين جلساتهم في تواريخ لاحقة . وقبل انعقاد الجلسة يجب على كاتب المحكمة أن يقوم بإعداد محاضر الجلسات حسب الملفات التي سيقع النظر فيها وهو بذلك كله يشغل في تونس مؤسسة القاضي المكلف بتجهيز القضايا في فرنسا . ويسهر كاتب المحكمة أيضا على توفير كل متطلبات سير المحاكمة بقاعة الجلسة من وثائق ونماذج محاضر الجلسات وإحضار المحجوز إذا كان يمثل وسيلة إثبات في القضية. على أن هذه العملية تعاني رغم أهميتها من عدة مشاكل. إلاّ إن المهمة الإجرائية لكاتب المحكمة لا تقتصر على مرحلة ما قبل الحكم بل تستمر إلى ما بعد النطق به. مرحلة ما بعد الحكم: تعتبر مرحلة المحاكمة بالنسبة للمتهم المرحلة الحاسمة، حيث يتحدد مصيره بالإدانة أو بالبراءة، ويلعب كاتب المحكمة دورا إجرائيا هاما في ضمان حقوق المتهم بعد النطق بالحكم من خلال عمليّة تبليغ الأحكام (فرع أول) التي تضمن إعلام المتهم بوضعيته الجديدة والتي يخوّل له المشرع حق الطعن فيها للاستفادة من جديد بضمانات المحاكمة. ويضطلع كاتب المحكمة بتلقي هذه الطعون (فرع ثاني) وإيصال صوت المتهم للعدالة ذلك أن الحكم بالإدانة لا يعتبر سوى تمهيد لتوقيع العقوبة. وأن الدعوى العمومية لا تنتهي إلا بتنفيذ حكم بات صادر فيها يضبط المراكز القانونية لكل أطرافها بصفة نهائية. يجب على كاتب المحكمة أن يتوخى في إعلامه للمتهم بالحكم الصادر ضده طريقة تكفل لهذا الأخير إعلاما حقيقيا يمكنه من التحكم في مصير قضية قد تمس من حريته (أ) في آجال معقولة تخول له ممارسة حقه في الطعن (ب). تختلف طريقة إعلام المتهم بالحكم حسب وضعيته، فإذا كان بحالة سراح فإنّ كاتب المحكمة يتولى تعمير مطبوعة خاصة بذلك الإعلام وفق نماذج يمسكها تسهيلا لسير العمل وتيسيرا للإجراءات. ويضمّنها عدّة تنصيصات وجوبيه، كاسم المتهم ولقبه بكل دقة وتمييز، وعلى أنه تم إعلامه بالحكم الصادر ضده، ويبين وصف هذا الحكم إن كان حضوريا أو غيابيا مع بيان المحكمة التي أصدرته، وتاريخ صدوره ونوع التهمة المنسوبة إليه، ويجب على كاتب المحكمة أن يذكر أيضا منطوق الحكم بصفة دقيقة والفصول القانونية التي تأسس عليها، إضافة إلى ضرورة التنصيص على أن المتهم قد أعلم بأنه إن أراد الاعتراض أو الاستئناف يجب عليه الحضور بنفسه أو بواسطة محاميه في أجل قدره عشرة أيام لدى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم. كما يحمل على كاتب المحكمة ذكر تاريخ الإعلام بكل دقة والشخص المكلف بذلك مع إمضائه وإمضاء المعني بالإعلام. هذه البيانات أساسية ويجب على كاتب المحكمة أن يوليها اهتماما كبيرا فإذا تغافل عن بيان تاريخ حصول الإعلام مثلا، فإن ذلك سيؤثر حتما على احتساب آجال الاعتراض أو الاستئناف مما قد يضر بمصالح المتهم الشرعية. والإعلام بالحكم الغيابي يعتبر إجراءا أساسيا لمساسه بحقوق المتهم الشرعية. إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو:" هل يجب على كاتب المحكمة أن يعلم المتهم بالحكم الغيابي القاضي بعدم سماع الدعوى أي بالبراءة؟" أجابت محكمة التعقيب عن هذه المسألة في قرار1 جاء بمبدئه أن « الأحكام الغيابية الصادرة بالبراءة لا لزوم للإعلام بها ». لم يحدد المشرع التونسي آجالا معينة تفرض على كاتب المحكمة إعلام المتهم بالحكم الصادر ضده. وإذا كان الحكم الحضوري في هذا الشأن لا يطرح إشكالا لأن المتهم قد حصل له العلم به في جلسة المحاكمة، فإن الأمر يبدو على خلاف ذلك بالنسبة إلى الحكم الغيابي، لذا فإن إعلام المتهم بالحكم الصادر ضده غيابيا يبقى خاضعا لآجال مفتوحة، ويبقى توجيه ذلك الإعلام رهين إرادة كاتب المحكمة بادئ الأمر طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل175 م.إ.ج1 خلافا لما هو الأمر بالنسبة إلى تاريخ الجلسة الاعتراضية الذي يحمل على كاتب المحكمة تعيينه « توّا » عند تلقي الاعتراض من المتهم أو نائبه، وإعلام المعترض بتاريخها حينا، كما اقتضت الفقرة السابعة من نفس الفصل أنه « وفي جميع الأحوال يجب أن تعقد الجلسة في أجل أقصاه شهرا من تاريخ الاعتراض ». ويبقى الإشكال مطروحا أمام هذا الفراغ التشريعي ويبرز دور كاتب المحكمة هنا ذا أهمية بالغة، إذ عليه أن يحرص على توجيه الإعلام بالحكم الغيابي للمتهم في أجل معقول يخول لهذا الأخير الإحاطة بما تقرر في شأنه لممارسة حقه في الطعن على أساس واضح وسليم. تسليم نسخ الحكم: يعتبر إنجاز نسخ الأحكام عملية مكملة لعملية النطق بالحكم. وتبدو ذات أهمية بالنسبة للمتهم الذي يروم الدفاع عن نفسه ( أ ) على أن التطبيق أفرز عدة مشاكل في إنجاز هذه النّسخ وتمكين المتهم منها (ب). ينص الفصل166 م.أ.ج على أنه " إذا وقع التصريح بالحكم بعد المفاوضة سواء بجلسة المرافعة أو بعدها وجب تحرير نسخة أصليّة للحكم طبق موجبات الفصل 168 في أقرب أجل وعلى كل حال ينبغي أن لا يتجاوز هذا الأجل عشرة أيام من تاريخ صدوره...". وتأكيدا من المشرع على أهمّية إنجاز نسخ الأحكام فقد حدد أجلا لذلك بعشرة أيّام من تاريخ صدور الحكم. وتكمن هذه الأهمية في أنّه في صورة تلف أصل الحكم أو اختلاسه فإن النسخة المجردة أو التنفيذية تقوم مقام الأصل وتحفظ بكتابة المحكمة . وقد أسندت مهمة تسليم نسخ الأحكام إلى كاتب المحكمة دون سواه حيث نص الفصل 252 م.م.م.ت. على أن " النسخ التنفيذية والمجردة يسلمها كاتب المحكمة الصادر عنها الحكم ممضاة منه ومختوما عليها بطابع المحكمة " وهو في ذلك يلعب دورا هاما في تمكين المتهم من الإطلاع على رأي المحكمة والاستناد إلى وثيقة تكون ضرورية أحيانا لتأسيس دفاعه. فقراءة مستندات الحكم الواقعية والقانونية تمكن محامي المتهم من مناقشتها والتأكد من مدى احترامها للإجراءات والقواعد القانونية. يعتبر أهم مشكل تعاني منه عملية إنجاز نسخ الأحكام عدم احترام الأجل القانوني في تحرير الحكم. وهو أجل اقتضى المشرع أن لا يتجاوز عشرة أيام من يوم صدور الحكم. وقد تواتر العمل بالمحاكم على أن يتم النطق بالأحكام قبل تحريرها. فيجد كاتب المحكمة نفسه مضطرا لأن يسلم من جديد ملفات القضايا المحكومة قصد التحرير. وهو ما يترتب عنه إضاعة للوقت خاصة إذا كان المتهم يروم الحصول على نسخة من الحكم للاستناد إليها في قضية أخرى تهمه كما سبق الإشارة إلى ذلك. وتدخل هذه المشاكل في مسؤولية كاتب المحكمة الذي تكون بحوزته جميع الملفات التامة بالحكم وهو ملزم بذلك بتبليغ أحكامها في الحالات التي يستوجبها القانون وبتلقي التصريحات بالطعون الواردة في شأنها. وتبقى الملفات التي يجب تحريرها بيد القضاة قصد إتمام ذلك. ولكن كثيرا ما يحصل التأخير في عملية التحرير، وهو ما يمكن أن يترتب عنه إضرار بمصالح المتهم في مثل الصور التي سبق ذكرها. ويحمل الفصل 255 م.م.م.ت. كاتب المحكمة مسؤولية احترام عدة بيانات يجب أن تتضمنها أصول الأحكام ونسخها عند تسليمها فجاء به أنه " ينص كاتب المحكمة بطرة أصل كل حكم أو بالنسخ المستخرجة منه على تسليم كل نسخة مجردة أو تنفيذية منه مع بيان تاريخ تسليم ذلك وأسم الشخص الذي سلمت له وإلا فإن كاتب المحكمة يستوجب خطية قدرها خمسة دنانير عن كل مخالفة تثبت عليه بدون أن يكون ذلك مانعا من غرم الضرر الذي ربما يلزم للشخص الذي عساه أن يكون قد تضرر مما ذكر". تلقي الطعون يعتبر الطعن في الأحكام حق مخول للمتهم بعد صدور الحكم الفاصل في القضية، وبه تبدأ مرحلة جديدة من مراحل الخصومة الجزائية، ويرمي من خلاله المتهم إلى القدح في الحكم الصادر ضده ومناقشته وطلب تعديله حسب طلباته. وحق الطعن هو حق إجرائي تلعب كتابة المحكمة دورا أساسيا في ضمانه سواء تعلق الأمر بالطعون العادية (فقرة أولى) أو بالطعون غير العادية (فقرة ثانية) الطعون العادية: يتلقى كاتب المحكمة استئناف المتهم للحكم الصادر ضده حضوريا أو حضوريا بالاعتبار (أ) كما تبقى كتابة المحكمة الجهة المختصة بتلقي التصريح بالاعتراض على الحكم الغيابي(ب). أ- تلقي الاستئناف: ينص الفصل 212 م إ ج على " يقدم مطلب الاستئناف إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم بتصريح شفاهي يسجل كتابة في الحين أو بإعلام كتابي. وعلى المستأنف أن يمضي وإذا امتنع من الإمضاء أو كان غير قادر عليه ينص على ذلك. وإذا كان المستأنف موقوفا فكبير حراس السجن يتلقى ذلك المطلب ويحيله دون تأخير على كاتب المحكمة ". نلاحظ بقراءة هذا الفصل أن ممارسة المتهم لحقه في الاستئناف يكون بين يدي كاتب المحكمة الذي يكلف بتسجيل استئنافه أي بضمان حقه في الاحتجاج على الحكم الصادر ضده. وإعطاء المشرع المتهم إمكانية التصريح الشفاهي بالطعن بالاستئناف يبرز إلى حد بعيد أهمية تدخل كاتب المحكمة في تضمين محتويات هذا التصريح، وهي عملية ستؤثر بشكل هام على قيمة الطعن ذاته سواء تعلق الأمر بتاريخ تقديمه أو نوعه أو صفة المصرح به، إذ أن أي خطأ في مثل هذه البيانات قد يؤدي حتما إلى حرمان المتهم من حقه في الاستئناف ذاته. ب- تلقي اعتراض المتهم على الأحكام الغيابية: يعتبر مبدأ الحضورية من أهم المبادئ التي تحكم الإجراءات الجزائية باعتباره ضمانة هامة من ضمانات المحاكمة العادلة التي يجب أن يتمتع بها كل متهم، إذ توفر له فرصة لتقديم دفاعه وبسط حججه سعيا لنفي التهمة المنسوبة إليه. وقد أوجب المشرع التونسي على المتهم تطبيقا لهذا المبدأ الحضور شخصيا بالجلسة، خاصة في صورة تتبعه من أجل جناية أو جنحة تستوجب العقاب بالسجن1 وخول له بمقتضى الفصل 143 م.ا.ج إبداء ملاحظاته أثناء استنطاقه بالجلسة وذلك بخصوص اتهامات الشاكي أو مضمون شهادة الشهود وإمكانية التجريح فيهم أو المطالبة بإجراء المكافحات معهم وإبداء ملحوظاته حول المحجوز. على أنه يمكن للمتهم أن يتخلف عن الحضور أما م المحكمة التي تنظر في التهمة المنسوبة إليه، وقد يكون ذلك بإرادته أو بسبب خارج عن إرادته. ومن غير المنطقي أن يعلق نظر الدعوى على إرادة المتهم في الحضور وإلا انعكس ذلك سلبا على حسن سير الجهاز القضائي وتطبيق العدالة الجزائية. ويجب في هذا الإطار التفريق بين حالتين تعرّض لهما الفصل 175 م.إ.ج تتمثل الأولى في عدم حضور المتهم رغم بلوغ الاستدعاء إليه شخصيا وهنا ستصدر المحكمة حكمها دون التوقف على حضوره ويكون الحكم الصادر في هذه الحالة معتبرا حضوريا. وتتمثل الحالة الثانية في صورة ما إذا لم يتوصل المتهم بالاستدعاء شخصيا أي أنه وقع تبليغه بالطريقة القانونية أي بواسطة شخص آخر، وفي هذه الحالة ستواصل المحكمة النظر في القضية لكن ستصدر حكما غيابيا. ويتولى الإعلام بهذا الحكم الغيابي كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم. ويعد الحكم الغيابي من أضعف الأحكام دلالة على صحة ما قضى به لأن المتهم لم يتمكن من الحضور أمام المحكمة للدفاع عن نفسه. لذا خول المشرع للمحكوم عليه الطعن بالاعتراض في الحكم الصادر ضده غيابيا، يرفعه إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم بوصفها الجهاز المختص في إجراء هذا النوع من الطعون في غضون آجال قانونية يجب احترامها كي يقع قبول الاعتراض شكلا. • إجراءات الاعتراض لدى كتابة المحكمة: يعتبر كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي الشخص الوحيد الذي أهله القانون ليتلقى مطلب الاعتراض على هذا النوع من الأحكام وذلك بصريح الفقرة الثالثة من الفصل 175 م.إ.ج الذي جاء به" والاعتراض على الحكم الغيابي يقدمه لكتابة المحكمة التي أصدرته المعترض نفسه أو نائبه..."، ويفرق هذا الفصل بين المتهم الذي هو بحالة إيقاف والمتهم في حالة سراح. وبخصوص المتهم الموقوف تنص الفقرة الخامسة من نفس الفصل على أنه إذا كان المعترض موقوفا فإن الاعتراض يتلقاه كبير حراس السجن ويحيله دون تأخير على كتابة المحكمة. ويبقى كاتب المحكمة في كل الحالات هو المؤهل قانونا لقبول مطالب الاعتراض مهما اختلفت وضعية المتهمين. والملاحظ أن كل إجراءات الفصل 175 المتعلقة بالاعتراض على الحكم الغيابي تقوم على كتابة المحكمة، والتي تكرر الحديث عنها خمس مرات صلب الفصل المذكور في كل فقرة من فقراته تأكيدا من المشرع على الدور الإجرائي لهذه المؤسسة وأثر تدخلها في ضمان حقوق المتهمين وتبليغ أصواتهم للعدالة. وتنطلق إجراءات الحكم الغيابي من كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم لتنتهي إليها . وتختلف كيفية حضور المتهم لتسجيل اعتراضه لدى كاتب المحكمة حسب الحالات فإما أن يحضر من تلقاء نفسه لممارسة حقه في الطعن إذا حصل له العلم بالحكم ورأى فيه إجحافا بحقوقه وإما أن يحضر جبرا بواسطة القوة العامة أمام كتابة المحكمة اثر تنفيذ منشور تفتيش ضده. تنص الفقرة السادسة من الفصل 175 م.ا.ج على أنه "يقدم الاعتراض إما بتصريح شفاهي يسجل كتابة في الحين أو بإعلام كتابي وعلى المعترض أن يمضي وإذا امتنع عن الإمضاء أو كان غير قادر عليه ينص على ذلك. وعمليا يقع تعمير مطبوعة من قبل كاتب المحكمة يضمن بها تاريخ تقديم الاعتراض وهوية واسم كاتب المحكمة الذي تلقى الطعن وهوية المعترض ونوع الطعن وعدد القضية وتاريخ الحكم والمحكمة التي أصدرته ونوع التهمة، ثم يمضي هذا الأخير وكاتب المحكمة أسفل هذه المطبوعة. وتكتسي هذه الوثيقة خطورة كبيرة حيث تتضمن آجالا دقيقة يقع احترامها من قبل كاتب المحكمة الذي يدون تاريخ تقديم الاعتراض بدقة لأن ذلك يمكن أن يؤثر في حقوق المتهم المعترض، فالغلط في احتساب الأجل ولو بيوم يمكن أن يعرض مطلب الاعتراض إلى الرفض شكلا. ومن هنا يظهر كاتب المحكمة على كونه الشخص المؤتمن على حقوق المتهمين والساهر على تمكينهم من ممارستها في إطارها القانوني وإعانتهم على إيصال أصواتهم إلى العدالة بعد أن حكم عليهم غيابيا، ذلك أن الاعتراض حق للمتهم المحكوم عليه غيابيا إذ يمكنه من الحضور مجدّدا أمام المحكمة التي أصدرت الحكم للدفاع عن نفسه ومناقشة ما نسب إليه من أفعال.ويعتبر هذا الحضور شرطا شكليا لصحة الاعتراض إلى جانب احترام الآجال القانونية المنصوص عليها قانونا. • آجال تقديم الاعتراض لكتابة المحكمة: اقتضت الفقرة الثالثة من الفصل175 م.ا.ج أن الاعتراض على الحكم الغيابي يقدمه لكتابة المحكمة التي أصدرته المعترض نفسه أو نائبه في العشرة أيام الموالية لتاريخ الإعلام. وتضيف الفقرة الرابعة "إذا كان المعترض قاطنا خارج تراب الجمهورية فإن الأجل يكون ثلاثين يوما. ويتولى كاتب المحكمة حسب منطوق الفقرة السابعة من نفس الفصل تعيين الجلسة وإعلام المعترض بتاريخها، وفي جميع الأحوال يجب أن تعقد الجلسة في أجل أقصاه شهر من تاريخ الاعتراض. الطعون غير العادية: يشمل هذا النوع من الطعون الطعن بالتعقيب. (أ) كما يضطلع كاتب المحكمة إضافة إلى تلقيه التصريح بالطعون بمهمة الإرشاد (ب). أ- دور كاتب المحكمة في إجراء الطعن بالتعقيب: يُعتبر الطعن بالتعقيب حقا خوله القانون للمحكوم عليه حكما نهائيا في أصل التهمة المنسوبة إليه1 إذا رأى فيه إجحافا بحقوقه أو إضرارا بمصالحه. وخلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للاعتراض والاستئناف اللذان يقدمان لكتابة المحكمة التي أصدرت الحكم فإن الفصل 261 م.ا.ج أوجب أن يرفع الطعن بالتعقيب بعريضة كتابية تقدم مباشرة أو بواسطة محام إلى كتابة محكمة التعقيب". وقد ألزم الفصل المذكور كاتب محكمة التعقيب أن يوقع العريضة المقدمة في هذا الشأن وينص على تاريخ تقديمها ويضمنها بالدفتر المعد لذلك حالا ويسلم وصلا فيها للمعقب يتضمن تاريخ تعقيبها ثم يتولى بعد ذلك إعلام المعقب ضده. وإذا كان المعقب مسجونا فكبير حرّاس السجن هو الذي يتولى قبول مطلب التعقيب ويحيله دون تأخير على كتابة محكمة التعقيب المؤهل قانونا لتلقي المطالب الواردة في شأنها من قبل المتهم أو غيره، إذ يبرز دوره في الإجراءات الجزائية دورا فعالا يضاهي الدور الذي تقوم به بقية أجهزة العدالة الجزائية التي تسعى إلى حماية المجتمع في إطار تضمن فيه للمتهمين الحق في محاكمة عادلة تتوفر فيها الضمانات اللازمة للدفاع عن أنفسهم. ب - مهمة الإرشاد : عند التمعن في النصوص المرجعية للإرشاد القضائي وفي التنظيم الإداري لوزارة العدل تستوقفنا عدة هياكل يخال أنها تقوم بنفس الأدوار رغم أن أغلبها يصب في الإرشاد القضائي، ولكن عند التمعن في الوظائف التي تضطلع بها نتبين الفروق والأدوار الموزعة بينها فهناك المرشد القضائي الموجود بكل محكمة وخلية الإرشاد القضائي والعمل الاجتماعي الموجودة بديوان وزير العدل وهناك أيضا الشباك المستمر الموجود بكل محكمة وكذلك مكتب العلاقات مع المواطن الموجود بمقر وزارة العدل. ويهدف الإرشاد الفضائي إلى تقريب القضاء من المواطن، ويقوم كاتب المحكمة بدور هام في عملية الإرشاد إذ هو في الحقيقة أول شخص يتعامل معه المتهم أو المتقاضي الذي يريد أن يستفسر حول قضية تهمه فهو كما وصفه البعض بمثابة "المنارة التي يهتدي بها المتقاضي".وتتعدد حالات الإرشاد في هذا المجال، فمنها ما يتعلق بتقديم خدمة متعلقة بقضية ما تزال منشورة وهي حالة أقصاها المشرع بمقتضى الأمر المؤرخ في 25 ماي 1998 لمساسها باستقلالية القضاء، كما يمكن أن يتعلق الأمر بطلب إرشاد بخصوص قضية نظر فيها القضاء مثل إرشاد المتهم إلى وسيلة طعن إذا كان ذلك ممكنا أو طريقة استخراج نسخة من حكم أو غيرها من الاستفسارات بخصوص ميدان الإجراءات الجزائية التي تيسر للمتهم سبل ممارسة حقوقه الإجرائية التي خولها له القانون. ويظهر من خلال التطبيق أن كاتب المحكمة يمارس مهمة الإرشاد يوميا بالمحاكم أكثر من غيره من بقية الأجهزة التي خصها المشرع بهذه المهمة نظرا لاحتكاكه بالمتهمين والمتقاضين بصفة دائمة. الخاتمــــــــــــة يعتبر كاتب المحكمة من خلال جملة الإجراءات التي يقوم بها الجناح الإجرائي للسلطة القضائية التي ينتمي إليها وتمثل هذه الإجراءات في الحقيقة الضمانات الإجرائية الحقيقية للمتهم. فكاتب المحكمة يمسك ملفات القضايا في كل مراحل الدعوى العمومية ويسهر على الحفاظ على محتوياتها باعتبارها الأساس المعتمد لتحديد مصير المتهم، وهو من ذلك المنطلق أمين على أسرار العدالة وعلى أسرار المتهم وأدق خصوصياته وكذلك بقية الاطراف المتداخلين في جميع الملفات مهما كان نوعها . كما يضطلع بدور هام في تكريس مبدأ الحضورية بصفة فعلية من خلال تدخله في مؤسسة الاستدعاء التي تهدف إلى تمكين المتهم وغيره من الاطراف من حضور كل إجراءات الدعوى الموجهة ضد المتهم او المطلوبة من المتضرر او المعروضة على الشاهد ، ثم يسعى في مرحلة متقدمة من مراحل الدعوى العمومية إلى إعلام الجميع بكل إجراء أتخذ في شأنهم وخاصة ذلك الذي يترتب عنه تغيير في الوضعية القانونية التي تفترض إعلاما حقيقيا وواضحا يمكن المتهم من متابعة قضيته على أساس سليم كما يضمن حقه في إيصال صوته إلى العدالة إذا رام الطعن في الأحكام والقرارات الصادرة ضده والتي يرى فيها إجحافا بحقوقه ومساسا بمصالحه الشرعية، وكاتب المحكمة في خضم كل هذا مرشد معين يهتدي به المتهم إذا استعصت عليه مسألة إجرائية ما لينير له سبيل الولوج إلى ميدان التقاضي ويمكنه من الحفاظ على مصالحه والتمتع بضمانات المحاكمة العادلة. كما يبرز دور كاتب المحكمة جليّا في تكريس ضمانات تلك المحاكمة العادلة التي يجب أن يتمتع بها كل متهم من خلال ضرورته الحتمية في تأليف هيأة المحكمة، وضمان حق المتهم في أن تقع محاكمته أمام محكمة مختصة مشكلة تشكيلا قانونيا، هذه الضمانة التي توجب حضوره ضمن كل هيأة قضائية سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة ويترتب عن تخلفه بطلان ما اتخذ من إجراءات وقرارات في هذين المرحلتين، لافتقادها الى ما يضطلع به من مهام توثيقية تستهدف خلق الدليل الثابت والحجة الرسمية على مدى احترام مبادئ الإجراءات الجزائية ومقوّمات المرافعات في هذا المجال طبق ما تقتضيه النصوص التشريعية وخاصة تلك التي قررها المشرّع ضمانا للحقوق ومراعاة للحريات، وهو في كل ذلك "شاهد ممتاز" على صحة وسلامة سير الدعوى العمومية في مختلف مراحلها، وسند معين للقاضي في الوصول إلى الحقيقة وتحديد مصير المتهم في جو يطبعه الاحترام الفعلي والجدي لحق هذا الأخير في الدفاع عن نفسه وفق مقتضيات القانون. جمعية الصداقة لكتبة المحاكم جمعية الصداقة لمحرر القضاء

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

تقـرير ختم التربص كاتب محكمة

تعريف كاتب المحكمة ، كاتب ضبط ، أمين ضبط ، محرر قضائي ،معاون قضائي

جمعية الصداقة كتبة المحاكم التونسيين / Association D’amitié Pour Des Greffiers De Justice / Rechtspfleger